قبل سنوات كنت في ضيافة كاتب ومثقف أسباني اعتنق الإسلام، وكان يحدثنا عن ماضيه المليء بالصراع والقلق، وعن تنقله بين الأديان والثقافات والدول، قبل أن يستقر على الإسلام ويهاجر إلى بلد مسلم.
أهداني كتابًا يسرد قصص بعض أصدقائه من المسلمين الجدد، ومن أطرف ما فيه أن إحدى طالباته المراهقات جاءت تستشيره في علاج القلق الذي كاد يقتلها، ولم يكن قد أسلم بعد، فاقترح عليها أن تعتزل صخب الحياة لمدة شهر، وأن تجرب فيها التأمل بعيدًا عن الموسيقا والتلفزيون والتدخين والشراب والجنس، وكان هذا قبل موجة مواقع التواصل. فوجئ بها تسد أذنيها وتصرخ: ما الذي تتحدث عنه؟ لا أستطيع تحمل ذلك ولو ليوم واحد!
دخل الرجل بعدها في حالة تفكير عميق، وظل يطرح على نفسه هذا السؤال: كيف وصلنا إلى مرحلة العجز التام عن العيش ببساطة من غير الملهيات التي صنعتها الحداثة؟ وإلى درجة أن يتخيل أحدهم أنه سيموت لو تخلى عنها يومًا واحدًا كي يعيد التفكير في ذاته ووجوده ومصيره؟ وكأن الحداثة اللادينية تضع الإنسان الهش أمام خيارين فقط: إما الانشغال بملذات لا تنتهي على مدار الساعة أو مواجهة الحقائق الوجودية الكبرى ومصارعة القلق الذي قد يؤدي للانتحار.
اختار صاحبنا لنفسه خيارًا ثالثًا وهو التأمل الروحي، فوجد نفسه غارقًا في عوالم البوذية والهندوسية والشامانية وتشعباتها، وكان يجد فيها لذة مؤقتة ولكن بدون أجوبة مقنعة على الأسئلة الوجودية، وكان يطرح أسئلته على معلّميه ويلحّ عليهم فلا يجد سوى التشجيع على المزيد من التأمل والاكتفاء بالأساطير.
وعندما وجد الإسلام وقرأ عنه، واكتشف أنه لم يكن يعرف عنه شيئا بسبب التشويه الإعلامي، اعتنقه فورًا، ولحقت به زوجته وأولاده، وهاجروا جميعًا إلى بلاد المسلمين.
هامش توضيح الواضحات للمبتدئين:
العبرة المستفادة من القصة: الإسلام يقدم الأجوبة على الأسئلة الوجودية. والكثير من ضحايا الحداثة يتهربون منها بالإدمان على الملذات.
الأسئلة الهامشية التي لا علاقة لها بالقصة: لماذا هاجر؟ وإلى أي بلد تحديدا؟ ولماذا يهاجر المسلمون إلى بلاده؟ ولماذا لم يبق هناك ويعلم الناس الإسلام؟ وما لون غلاف كتابه؟ وكم عدد شعرات لحيته؟