جامعة البعث .. أم العبث ؟؟
فتاة في السنة الرابعة من كلية الآداب – قسم اللغة العربية .. ذات مؤخرة ضخمة وشعر أصفر منكوش منثور على كتفيها الممتلئتين .. كانت بحجم ديناصور متوسط الحجم من ذلك النوع الأخضر الذي يمشي على قدمين ضخمين ويملك ذراعين قصيرتين .. تتجه نحو المدرّج الرابع لتلحق بالمحاضرة .
انها ابنة عميد الكلية السيد ” بهجت ضرطان ” .. . ذو الصلعة الزهرية المحاطة بشعر أشيب مشتعل ، يتوسط وجهه المدور أنف فطريٌ شاذّ ذو نتوءات سوداء ، ومن طرفيه ينبت أذنان لا تنقصهما إلا بعض الحركة .. أما الشارب فلا تسأل عن لونه .. فبعد أربع سنوات من التأمل المستمر في هذه الصورة الاجبارية لم أستطع أن أفك رمز لون الشارب . فتارة يخيل الي أنه رمادي ، وتارة بني ، وأحيانا أراه يتقلب بين اللون الأصفر والبني والرمادي .. لكنني أدركت أن الدخان المنبعث من غليونه الخشبي كان سببا في خلطة الألوان الغامضة تلك ، ولربما لو اقلع شهرا أو اسبوعين فقط عن التدخين لعاد لون الشارب الى حقيقته وتناسب مع لون ما تبقى من شعرٍ في محيط رأسه .
كان المدرج ممتلئا يعج بالطلاب .. لم يكونوا طلاب السنة الرابعة بالطبع ، بل أكثرهم من طلاب السنة الأولى المستجدين والمتحمسين الذين دفعهم الفضول لمعرفة محاضرات هؤلاء الطلاب العظماء الذين نجحوا بتجاوز رعب جميع السنوات ، ليصلوا في النهاية الى السنة الرابعة والأخيرة .
كان ” الشاطرون ” في المدرجات الأمامية كعادتهم ، اما العاشقون والباحثون عن العلاقات فقد تناثروا في الأطراف والزوايا مثنى مثنى ، يجذب الهمس رؤوسهم وأجسادهم ، وتتقاطع أكفهم عند تقليب صفحات كتاب باهت مشترك يضطجع أمامهم و باسطا دفتيه دون أي اكتراث .
دخلت سلمى ” الطبليجة ” ، بنت العميد الى القاعة دون استئذان أو اعتبار كعادتها ، واتجهت نحو اليمين في البداية ، لكنها غيرت رأيها بعد أن توقفت للحظة ، فقررت أن تغير مكانها المحجوز مسبقا من قبل أحد أصدقائها ” الطبالجة ” مثلها ، فاتجهت نحو اليسار لتسير بكل برود وهي تمسح بعينيها البقريتين صفوف المدرج من أعلى الى أسفل وبالعكس ، وكأنها تبحث عن شيء فقدته ، أو ربما تبحث عن عين معجبة أو حاسدة ، حتى وصلت أخيرا الى طرف أحد صفوف المدرجات ، ثم جلست باطمئنان دون أن تتوقف عن البحث في عيون الطلاب كلهم .. فوالدها هو الذي يملكهم و يتحكم في مصائرهم جميعا بجرة قلم .. أو ربما بتوقيع أو مُهرٍ كلعنةٍ ابدية .
وصل الخبر العاجل أخيرا بعد خمسة عشرة سنة :
” عميد جامعة البعث يمارس الرذيلة مع طالبته !! “
تذكرت – وأنا أشرب المتة – احدى عباراته أثناء محاضرة تتحدث عن شعراء العرب الذين كانوا يشعلون الحروب بكلمة ، ويخمدونها بكلمة .. حيث ملأ صوته الجهوري القاعة آنذاك وكأنه يخاطب جموع الأعداء قبالته فيقول رافعا سبابته :
” سلاح المحارب سيفه .. أما سلاح الشاعر فهو قلمه ” .. فكان يسمعنا دائما من شعره الذي ينظمه في خلواته التي يقتنصها من وقته المملوء بمشاغل الجامعة ومشاكل الطلاب وأوراق الامتحان ..
أما ” الطبليجة ” سلمى ، فقد كانت الصحفية الناطقة باسم أبيها العميد في أعقاب محاضراته ، تصور لزميلاتها المعجبات بشعره مناخات الخلوة وسحبها الحبلى بأمطار الشعر ليقرضها أبوها المعذب قرضا ، ثم يرسمها شعرا وغزلا على أوراقه البيضاء المبعثرة على طاولته وبين أعقاب سجائره ..
صَببتُ كأس الذروة من المتة برغوتها المبهجة ، ورسمت في مخيلتي خبرا عاجلا تحت الخبر الأحمر الملتهب أسفل شاشة التلفاز :
عاجل :
” عميد جامعة البعث يمارس الرذيلة مع طالبته !!”
” أما سلاح الشاعر فهو كلمته أو .. قلمه “
مص عمي مص …