قراءة مختلفة لقصة ذو القرنين التي وردت بسورة الكهف
ذكرت الاية 83 من سورة الكهف قول الله تعالى :
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُل ّشَيْء سَبَبًا
انا مكنا له في الارض…فالاية الكريمة تنص بوضوح على بسط نفوذه على كل الارض في زمانه
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
وتشير الاية الى وصول ذي القرنين الى اقصى الارض من جهة الغرب حيث توقف عند حاجز البحر المحيط الذي منعه من التقدم غربا .. ويتابع سياق النص القراني فيذكر
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)
واذا تاملنا في الايات لوجدنا قوله تعالى : فاتبع سببا حتى اذا بلغ مغرب الشمس
…. ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ مطلع الشمس …ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ بين السدين
… لقد تناسق النص القراني في اختيار (فاتبع) و (سببا) و (حتى اذا بلغ) ولكن النص خرج عن التناسق في ذكر مغرب الشمس ومطلع الشمس ولم يذكر مشرق الشمس .. ولهذا الخروج سبب مهم للغاية فمطلع الشمس ليس مشرق الشمس
والفارق بينهما كبير حيث يتغير المغرب والمشرق بتغير ايام وفصول السنة
لانها جهات جغرافية مرتبطة بموقع كل ارض على الخريطة ..فاليابان هي دائما شرق الهند واسبانيا هي دائما غرب ايطاليا .. بينما تتغير المطالع بتغير شهور السنة فللقمر مطالع وكذلك النجوم والشمس لها مطالع ايضا حيث يتغير موقع شروق الشمس وغروبها بتغير فصول السنة ويبدو هذا واضحا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء حتى نصل الى القطبين .. ولم تتوقف الاية الكريمة عند هذا الحد بل وصفت طبيعة ذلك المطلع حين قالت:
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)
فالشمس في ذلك الوقت من السنة وذلك المكان لا تنحجب عن سكان تلك المنطقة ,والزمن كله نهار لا ليل فيه , والدليل هو قول الله تعالى في سورة عم …وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا
وهؤلاء القوم ماعندهم ستر للشمس في مطلعهم هذا.. ولا يوجد في الكرة الارضية مكان تنطبق عليه تلك الصفة الا الدائرة القطبية الشمالية فقط حيث لا تغيب الشمس طوال الليل في بعض ايام الصيف هناك ويستثنى القطب الجنوبي من ان تشمله الاية الكريمة لسببين :
الاول انه لا يمكن للقادم من مغرب الارض التقدم برا باتجاه القطب الجنوبي
بخلاف القطب الشمالي , والسبب الثاني هو تعذر وجود تجمعات بشرية في القطب الجنوبي لعدم توفر عوامل الاستقرار البشري فيه لعدم اتصاله بمراكز الامداد لتامين احتياجات العيش , وبهذا يكون ذو القرنين قد تقدم من اقصى الغرب شمالا ودخل الدائرة القطبية الشمالية في زمن الصيف في نصف الكرة الشمالي وتتابع الايات الكريمة اخبارنا عن ذي القرنين بعد وصوله الى هناك فتقول:
كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
وبالتالي فان ذا القرنين انطلق من القطب الشمالي حتى دخل الارض الواقعة بين السدين وهما المحيطان العظيمان المحيط االطلسي الذي حجزته مياهه عن التقدم غربا والمحيط الهادئ الذي يحجز تلك الارض من الجهة الاخرى ولو نظرنا الى خريطة العبور من القطب الشمالي عبر المضيق المتجمد الى القارة االمريكية وقرانا قول الله تعالى:
كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا
لادركنا سبب قول الله تعالى قبل (ثم اتبع سببا) قوله تعالى (كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا) ,,
اذ يلزم لعبور البحر المتجمد في مضيق بيرينغ معرفة الوقت المناسب للعبور فلو عبر في الصيف فربما يكون عرضة للغرق تحت الواح الجليد الهشة حيث تخف البرودة في الصيف .. ولو تاخر عن العبور الى حلول ظالم الشتاء القطبي الدامس لمات هو وجيشه بفعل الرياح القطبية الشديدة البرودة .. ومما يجدر ذكره ان شعوب الدول الاسكندنافية القريبة من القطب الشمالي تنتسب الى شعب الفايكنغ وقد كان شعار هؤلاء قبعة على الراس مثبت فيها قرنان كبيران ,
كما تذكر ادبيات الفايكنغ انهم عبروا قبل كولومبوس الى القارة الامريكية من
القطب الشمالي , لقد ذكرت التفاسير ان السدان هما جبلان وقد اقام ذو القرنين الردم بينهما ..
ان الجبل يحتلف عن السد من حيث الشكل ولا يكون الجبل سدا الا اذا كان يسد درب القادم نحو جوفه, وللسد حاجزان عن اليمين وعن الشمال ويتصلان بحاجز ثالث يعترضهما , وقد ذكر الله تعالى ان ذا القرنين بلغ بين السدين
ووجد من دونهما اي من منطقة تقاربهما قوما فاذا كان السدان من جنس الجبال واذا كانا متقابلين فلا بد ان يكون للسدين فتحتان تصلان الى المنطقة الواقعة بين السدين ومن غير المقبول ان تكون لتلك المنطقة فتحة واحدة والا صار السدان سدا واحدا وصارت الارض المنخفضة بين الجبال هي حوض السد لانه اذا انغلقت الجبال حول باحة منخفضة تتوسطهم لقلنا هذا سد واحد ولا يجوز القول انهما سدان
وحيث ان الاية الكريمة نصت بوضوح ان ذا القرنين بلغ بين السدين فمن
غير الممكن ان يكون السدان من جنس الجبال واذا اراد ذو القرنين حجز ياجوج
وماجوج في الارض الواقعة بين سدين جبليين لتوجب عليه ان يبني ردمان لا
ردما واحدا ولكن الاية الكريمة ذكرت انه بنى ردما واحدا فقط..,وقد يقول قائل:
لعل ذو القرنين بنى ردما بين جبلين على استقامة واحدة ليكون الضعفاء في واد وياجوج وماجوج في الواد الاخر خلف الجبال ..
وللاجابة على هذا الفرض: انه لو فعل ذلك فليس من العسير على ياجوج وماجوج الالتفاف بحشودهم حول تلك الجبال مهما طال المسير والدخول على القوم من وراء ظهورهم ..
ويهذا يتحقق ان السدان هما محيطان عظيمان يحجزان الارض التي وصل اليها ذو القرنين
وهما المحيط االطلسي والمحيط الهادئ وتحدد الاية الكريمة وبدقة وصف
جغرافيا المحيطين ومكان التجمع البشري لسكان تلك الارض الواقعة بين السدين وربما تكون هي ارض الذين استوطنوا في البيرو التشيلي , فتقول الاية الكريمة
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
ودونهما تعني قربهما وضمير الاثنين (هما ) يعود الى السدين الحاجزين فالقوم الذين وجدهم ذو القرنين كانوا يقطنون في المنطقة التي يدنو فيها السدان من بعضهما بعضا حتى يلتقيان في اقصى الجنوب,
وتلك هي حقا صفة ارض البيرو والتشيلي حيث تستدق االرض ويتقارب المحيطان
يغلب ظني ان الردم الذي اقامه ذو القرنين في مكان ما بين المجموعتين البشريتين في تلك البقعة من الارض ومما يجدر ذكره ان القوم الضعفاء سالوا ذا القرنين ان يجعل لهم سدا
ولكنه قرر ان يجعل لهم ردما فاذا كان السد ردما فهل من البلاغة ان يطلب القوم سدا ويجيبهم باقامة الردم ؟؟
اللهم الا اذا حوت الاية الكريمة اعجازا خفي علينا واقله ان الردم ليس هو السد ..
كما ذكرت الاية بوضوح ان ذا القرنين استخدم النحاس في تغطية طبقات الحديد في قوله تعالى
حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
والقطر هو النحاس وتعتبر تلك المنطقة من اغنى مناطق العالم
بخامات النحاس حيث تنتج دولة التشيلي اكثر من ثلث نحاس االرض وتحديدا من المناجم الموجودة على بعد 100 كلم جنوب العاصمة سانتياغو كما ان البيرو تعد من الدول الغنية بخامات النحاس وفيها مناجم كبيرة
وتتوفر قرب مناطق النحاس منخفضات طبيعية شكل الواحد منها هلال له فتحة واحدة ويتوسط الهلال بحيرة يتجمع فيها الماء المنساب من الثلوج المتراكمة في اعالي جبال الانديز فاذا كان جدار السد عند فتحة الهلال لتعذر الدخول الى تلك الارض او الخروج منها .
ويبقى القول الفصل ان كل ما ذكرته في مقالتي عن ذلك المسار الجغرافي انما هو افتراض قام على ادلة ظنية لا ترقى الى مستوى الدليل القطعي لكنني اردت اضافة تفكير مختلف لعله يفيد لمن ياتي من بعدي ويبحث بالدليل القاطع ليثبت او ينفي والله اعلم .