يا من يسوؤهم ما يصدر من أفواه المجروحين ممن لا يمتلكون أية حيلة من أجل البقاء على قيد الحياة ولو لساعتين قادمتين.. ممن يشتهون هُدنة لالتقاط الأنفاس بين نزوحين أو غارتين ولا يجدون أحيانا – وهم يحملون القليل من الكراكيب وأبنائهم وأمل في النجاة أو الشهادة والخلاص – لا يجدون قوّة في أرجلهم تُعينهم على الجري والبحث عن زاوية لا تطالها آلة التوحّش الصهيونية ..
ألا ترون أحوالهم ؟
من نزوح إلى نزوح
من جنازة إلى جنازة
من مستشفى مُدمّر ثلاثة أرباعه إلى مستشفى في قائمة الاستهداف بينما أحد أطراف أحبابهم المقطوعة في كيس أو في حقيبة يريدون توصيلها إلى غرفة العمليات أو إلى مشرط الجراح ولا شاش ولا قطن ولا أدوات ولا خيطان لتطريز أجسادهم قبل أن تغرق في أوجاعها التي لا يحتملها بشر ولا تخدير ولا مُسكنات ألم ..؟!
لمن يجرحه كلامُ من تقطّعت بهم السُبُل وهم يُصرخون بإخوتهم وجيرانهم وأبناء دينهم والعالم المنافق كله بكل ما في كلامهم الذي يقطرُ دماء ودموعًا وأحشاء متناثرة وفتافيت جماجم وأدمغة وشظايا من عظام صغارهم.
لمن تجرحهم قسوة كلماتهم بكل ما فيها من تعميم وظلم لشعوب كاملة،
صدقوني لن تكون كلماتهم تلك أقسى من مشاهد تُروّعنا ونحن نراها من خلف الشاشات ونحن نمارس حياتنا اليومية بكل تفاصيلها المُريحة دون أن نختبر رائحة الدم الممزوج بروائح الأجساد المُتفحّمة والجثث التي مزّقت الكلاب والقطط المناطق الرخوة فيها.. نحن لا نقوى على إكمال المشهد فكيف بنا ونحن نركض من شبه سور يترصّده قنّاص إلى فناء مدرسة متهالكة ستُقصف بعد قليل …؟!
يا إخوتي .. أنا منكم ومثلكم .. مشتومة ومطعونة ومكذوب عليها أيضًا بل وتم نسف كل ما قالت وما فعلت مما لا يعله إلا الله..
ومع ذلك أقول:
الغضب شيء قد يذهب أما الخذلان فسيبقى…
نظرتنا لأنفسنا في المرايا أقبح بكثير من القُبح الذي يرونه هم في وجوهنا ..
فلا تلوموهم ولُوموا أنفسكم وتخيلوا لو كنتم في ذات مواضعهم ماذا كنتم ستقولون وماذا كنتم ستفعلون وبأي عين كنتم ستنظرون لمن خذلكم أو لمن يُكمل يومه بشكل عادي يأكل ويشرب ويستمتع بالملذّات ويُسافر ويتسوّق ويتجوّل ويتصوّر سيلفي ويشتري تذاكر في المهرجانات وفي مُدن الألعاب التي يُموّل جيشها قتل المدنيين في ناحية منكم وفيكم ؟!
فقط أغمضوا عيونكم ولو لدقيقة وتخيّلوا أنهم أنتم ..
ولا تظنّوا أنكم في مأمن مما يحدث لهم ..
نسأل أن يعافينا وإياكم .